فضيحة جيفري إبستين: شبكة النفوذ، الاستغلال، والتستر العالمي
في واحدة من أكثر الفضائح الأخلاقية والجنائية صدمة في التاريخ الحديث، تظل قضية جيفري إبستين ترمز لعالم خفي من النفوذ، والاستغلال الجنسي، والتواطؤ السياسي. لم تكن القصة مجرد جريمة فردية، بل كانت شبكة متعددة المستويات ضمت أسماء لامعة من الطبقة السياسية، والمالية، والثقافية حول العالم.
من هو جيفري إبستين؟
ولد جيفري إبستين عام 1953 في بروكلين، نيويورك. بدأ مسيرته كمدرّس في مدرسة خاصة قبل أن يدخل عالم المال من بوابة “بير ستيرنز”، ومنها أسس إمبراطوريته المالية الخاصة. إلا أن نجاحه المالي لم يكن الشق الأهم في حياته، بل نفوذه وعلاقاته الواسعة مع رجال السياسة والمال، مثل الأمير أندرو، والرئيسين بيل كلينتون ودونالد ترامب، وآخرين.
الجرائم: شبكة استغلال جنسي تحت غطاء الثراء
اعتُقل إبستين لأول مرة عام 2008، بعد تحقيقات كشفت استغلاله لفتيات قاصرات في عمليات دعارة منظمة داخل قصوره ويخته الخاص، وتم التوصل إلى اتفاق قانوني مثير للجدل مكّنه من تفادي محاكمة اتحادية مقابل الاعتراف بتهم بسيطة، والسجن لمدة قصيرة جدًا مع إمكانية مغادرة السجن للعمل 6 أيام في الأسبوع.
عاد إلى الواجهة عام 2019 حين أعيد اعتقاله بتهم فدرالية جديدة تتعلق بالاتجار الجنسي بقاصرات. الوثائق القضائية أكدت وجود قائمة واسعة من الضحايا – معظمهن فتيات صغيرات تم تجنيدهن بعنف نفسي ومادي – وعدد من المتورطين البارزين الذين استفادوا من خدماته أو شاركوه الشبكة.
الوفاة المشبوهة داخل زنزانته
في أغسطس 2019، وُجد إبستين ميتًا في زنزانته في سجن “ميتروبوليتان كوركشنال سنتر” في نيويورك. وُصفت الوفاة بأنها انتحار شنقًا، لكن الملابسات التي أحاطت بها فجّرت عاصفة من الشكوك. كاميرات المراقبة تعطّلت، الحراس ناموا أو تهاونوا في المراقبة، والعديد من الوثائق اختفت أو تم حجبها.
الوفاة لم تُغلق القضية، بل فتحت أبوابًا أوسع للتساؤل:
من كان يخشى أن يتحدث إبستين؟ ومن كان سيُفضح إن نطق بأسرار الشبكة؟
غيلين ماكسويل: اليد اليمنى والمحاكمة المؤجلة
في 2020، اعتُقلت “غيلين ماكسويل”، وهي الشريكة الأهم في إدارة شبكة إبستين. وُجّهت لها تهم تجنيد القاصرات وتسهيل الاعتداءات، وتمت محاكمتها لاحقًا وإدانتها في 2021. لكن حتى هذه المحاكمة لم تُشفِ غليل الرأي العام، إذ لم تُعلن الأسماء التي وردت في الوثائق القضائية بالكامل، ما يُبقي كثيرًا من الأسئلة دون أجوبة.
أسماء من العيار الثقيل في مرمى الاتهام
في وثائق سرية جرى تسريبها جزئيًا، ظهرت أسماء مثل الأمير أندرو، والذي اتُهم من قبل إحدى الضحايا بشكل مباشر، إضافة إلى رجال أعمال كبار وشخصيات فنية وسياسية. رغم التغطية الإعلامية الواسعة، فإن كثيرًا من القضايا لم تصل إلى المحاكم، وجرى إغلاق بعضها بتسويات سرّية.
خاتمة: عدالة مؤجلة ونفوذ لا يُمس؟
قضية إبستين تفضح عمق الفساد البنيوي عندما يتقاطع المال بالنفوذ والجنس. إنها لا تتعلق فقط بشخص، بل بشبكة عالمية ساد فيها الصمت والتستر. السؤال الأكبر اليوم: هل ستُكشف كل الأسماء؟ أم أن وفاته كانت الغطاء الأخير الذي ستحتمي به منظومة من المصالح التي لا تريد الضوء؟
إن العالم لا ينسى… وإن العدالة المؤجلة ليست عدالة.