أ
عبد الله بن المقفع
المفكر الفارسي الذي خُيّل له أنه كان “زنديقًا”
من هو عبد الله بن المقفع؟
وُلد عبد الله بن المقفع في العام 106 هـ (724م) في قرية جور التابعة لفارس،
وكان اسمه الأصلي روزبه بن داذويه. كان من أسرة مجوسية اعتنقت الإسلام بعد فترة طويلة من حياته،
ليغير اسمه بعد إسلامه إلى عبد الله ويتخذ “أبا محمد” كنية له. ورغم أنه نشأ في بيئة فارسية،
إلا أنه أصبح واحدًا من أعظم المثقفين في عصره، خاصة بعد أن قرر الانضمام إلى أمة الإسلام والعمل على نقل العلم والثقافة بين لغتين وثقافتين مختلفتين: الفارسية والعربية.
بداية الفكر: من المجوسية إلى الإسلام
عبد الله بن المقفع، الذي نشأ في بيئة مجوسية على مذهب المانوية، كان شغوفًا بنقل العلوم والفلسفات إلى العربية.
كان له دور بارز في ترجمة الأدب الفارسي إلى العربية، وخاصة في مجال الحكمة والفكر السياسي،
فأثرى الثقافة العربية بترجمات فكرية من أمهات الكتب الهندية والفارسية. من أهم أعماله الأدبية: “كليلة ودمنة”، و”الأدب الصغير”، و”الأدب الكبير”، بالإضافة إلى مقدمة “كليلة ودمنة” التي تلقي الضوء على علاقة الحكام بالرعية.
علاقته بالثقافة والفلسفة: مزيج من الفارسية، العربية واليونانية
كان عبد الله بن المقفع موسوعة علمية حية، حيث جمع بين علوم الفارسية والعربية واليونانية والهندية.
كان مُلمًا بفنون الأدب وبلاغة اللغة العربية، حيث وصفه معاصروه بأنه كان “الخليل بن أحمد” بالنسبة للعرب في الذكاء والعلم.
ولكن كانت له بصمات خاصة في الأسلوب الأدبي، حيث كتب بأسلوب متميز يجمع بين السلاسة والتأثير،
مما جعل أعماله تعتبر من أفضل ما كتب في النثر العربي.
من أبرز مؤلفاته:
- كليلة ودمنة: نقله عن الهندية، وهو مجموعة من القصص الحكائية التي تهدف إلى تعليم الأخلاق والمبادئ.
- الأدب الصغير والأدب الكبير: يناقش فيهما مواضيع تتعلق بالأخلاق وكيفية تربية النفس.
- الدرة الثمينة والجوهرة المكنونة: يعرض فيها حكمة الفرس في أسلوب أدبي بليغ.
اتهامه بالزندقة ومقتله
كان محط جدل في حياته، فقد تعرض لاتهامات بالزندقة من قبل خصومه السياسيين.
وقد قيل إن هذه التهم كانت مجرد غطاء لقتل رجل كان من أبرز المفكرين في عصره.
عُرف بمواقفه الجريئة التي انتقد فيها العديد من الشخصيات، كان أبرزها سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب، والي البصرة، الذي كان له خلافات مع ابن المقفع بسبب سخرية الأخير منه.
وقد انتشرت العديد من القصص عن العداء بينهما، ومنها حادثة طريفة فيها وصف عبد الله بن المقفع لسفيان،
وقال له ذات يوم: “السلام عليكُما، يعني سفيان وأنفه معه”، مما أثار غضب سفيان وأدى إلى قتله بطريقة بشعة،
حيث تم تعذيبه حتى الموت بواسطة فرن حارق. قيل إن سفيان قال أثناء تعذيبه: “ليس علي في المثلة بك حرج لأنك زنديق قد أفسدت الناس”.
مواقفه وأقواله
عبد الله بن المقفع كان يحمل فكرًا حكيمًا يعبر عن شدة فهمه للحياة والمجتمع. من أشهر أقواله:
- “إذا أسديت جميلاً إلى إنسان فحذار أن تذكره وإذا أسدى إليك إنسان جميلاً فحذار أن تنساه”.
- “علمتني الحياة أن لسانك أداة مصلتة، يتغالب عليه عقلك وغضبك وهواك وجهلك، فكُل غالب مستمتع به”.
- “إذا نابت أخاك إحدى النوائب من زوال نعمة أو نزول بلية، فاعلم أنك قد ابتليتَ معه إما بالمؤاساة فتشاركه في البلية، وإما بالخذلان فتحتمل العار”.
أثره الثقافي في العالم العربي
رغم أن عبد الله بن المقفع قتل في مقتبل عمره، إلا أن تأثيره الثقافي على العالم العربي كان عميقًا ودائمًا. فقد خلّف لنا العديد من الكتب التي كانت بمثابة جسرٍ بين ثقافات مختلفة،
مما ساهم في إثراء الثقافة العربية بالفكر الفارسي واليوناني والهندي. أعماله مثل “كليلة ودمنة” و”الأدب الصغير” ما زالت تُدرّس حتى يومنا هذا وتُعدّ من أروع أعمال الأدب العربي.
خاتمة
لقد خاض عبد الله بن المقفع معركة فكرية وثقافية خلال حياته القصيرة. ورغم أنه وُجّهت إليه العديد من التهم التي أودت بحياته،
إلا أن إرثه الفكري ما زال حيًا حتى اليوم. يعد ابن المقفع أحد أبرز الشخصيات الفكرية التي عاشت في العصر العباسي،
وهو مثال حي على المثقف الذي لم ترهبه التحديات السياسية والاجتماعية.
طالع ايضا رحيل الامير النائم
راحة البال | Raht Ibal اذا كان المال يجلب بعض السعادة فراحة البال كل السعادة
