عبد الحميد بن باديس
مُؤَسِّسِ جَمْعِيَّةِ اَلْعُلَمَاءِ اَلْمُسْلِمِينْ اَلْجَزَائِرِيِّينَ ، مِنْ رُوَّادِ اَلْحَرَكَةِ اَلْإِصْلَاحِيَّةِ وَالْعِلْمِيَّةِ بِالْجَزَائِرِ لَقَبَ بِألقَابِ عَدِيدَةٍ
فَهُوَ اَلْمُصْلِحْ اَلثَّوْرِيِّ ، وَالشَّاعِرُ اَلصَّحَفِيُّ ، وَالْعَالَمُ اَلْمُفَسِّرُ ، وَالْمُعَلِّمُ اَلْمُرَبِّي ، وَالْكَاتِبُ اَلسِّيَاسِيُّ
وَقَدْ اِرْتَبَطَ اِسْمُهُ لَدَى اَلْجَزَائِرِيِّينَ بِالْعِلْمِ ، لِذَلِكَ يَحْتَفِلُونَ فِي 16 أَبْرِيلَ / نِيسَانُ مِنْ كُلِّ عَامِ بِيَوْمِ اَلْعَلَمِ تَخْلِيدًا لِذِكْرَاهُ .
- اَلْمَوْلِدُ وَالنَّشْأَةُ
وُلِدَ عَبْدُ اَلْحَمِيدْ بْنْ مُحَمَّدْ بْنْ اَلْمَكِّيِّ بْنْ بادِيسْ يَوْمِ 11 رَبِيعْ اَلثَّانِي 1307 اَلْمُوَافِقَ 4 دِيسِمْبِر / كَانُونُ اَلْأَوَّلِ 1889
بِمَدِينَةِ قسَنْطِينَة بِالْجَزَائِرِ .
وَقَدْ نَشَأَ فِي أُسْرَةٍ عَرِيقَةٍ وَمُتَدَيِّنَةٍ وَذَاتِ مَكَانَةٍ وَجَاهٍ ،
فَأَبُوهُ مُحَمَّدْ اَلْمُصْطَفَى بْنْ بادِيسْ كَانَ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ وَمِنْ أَعْيَانِ اَلْمَدِينَةِ ،
اشْتَغَلَ قَاضِيًا وَعُضْوًا فِي اَلْمَجْلِسِ اَلْجَزَائِرِيِّ اَلْأَعْلَى ،
وَمِنْ رِجَالِ أُسْرَتِهِ اَلْمَشْهُورِينَ اَلْمُعِزْ بْنْ بادِيسْ
اَلَّذِي أَعْلَنَ اِنْفِصَالُ اَلدَّوْلَةِ اَلصَّنَهَاجِيَّة عَنْ اَلدَّوْلَةِ اَلْفَاطِمِيَّةِ
أَعْلَنَ فِيهَا مَذْهَبُ أَهْلِ اَلسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ .
اَلدِّرَاسَةُ وَالتَّكْوِينُ
تَلَقَّى بْنْ بادِيسْ تَعْلِيمُهُ اَلْأَوَّلُ فِي عُلُومِ اَلدِّينِ وَاللُّغَةِ بِدَايَةِ مِنْ 1903 بِمَسْقَطِ رَأْسِهِ فِي جَامِعٍ “ سَيِّدِي مُحَمَّدْ اَلنَّجَّارْ ”
عَلَى يَدِ اَلشَّيْخِ حَمْدَانْ اَلْوَنِيسِي أَحَدَ عُلَمَاءَ اَلْجَزَائِرِ آنَذَاكَ .
حِفْظُ اَلْقُرْآنِ اَلْكَرِيمِ فِي 13 مِنْ عُمْرِهِ ، عَلَى يَدِ اَلشَّيْخِ مُحَمَّدْ بْنْ اَلْمِدَاسِي أَشْهُرِ مُقْرِئٍ بِقسَنْطِينَة
وَفِي عَامِ 1910 اِنْتَقَلَ إِلَى تُونِسَ وَالْتَحَقَ بِجَامِعِ اَلزَّيْتُونَةَ ،
وَهُنَاكَ أَكْمَلَ تَعْلِيمُهُ عَلَى يَدِ صَفْوَةٍ مِنْ اَلْعُلَمَاءِ مِثْلٍ مُحَمَّدْ اَلنَّخْلِي اَلْقَيْرَوَانِيَّ ، وَمُحَمَّدْ اَلطَّاهِرْ بْنْ عَاشُورْ ، وَمُحَمَّدْ اَلْخِضْرْ بْنْ حُسَيْنْ وَغَيْرِهِمْ .
وَفِي عَامِ 1911 نَالَ شَهَادَةً “ اَلتَّطْوِيعِ اَلْعَالَمِيَّةِ ” وَكَانَ تَرْتِيبُهُ اَلْأَوَّلُ ،
وَظَلَّ يُتَابِعُ دِرَاسَتَهُ بِتُونِس لِمُدَّةِ عَامٍ لِيَعُودَ بَعْدَ ذَلِكَ إلى الجَزَائِرِ ،
وَبِمَسْقَطِ رَأْسهُ قسَنْطِينَة بَاشَرَ فِي اَلْجَامِعِ اَلْكَبِيرِ إِلْقَاءَ سِلْسِلَةٍ مِنْ اَلدُّرُوسِ حَوْلَ كِتَابٍ “ اَلشَّفَا ” لِلْقَاضِي عِيَاضْ ،
وَبِقَرَارً مِنْ اَلْإِدَارَةِ اَلْفَرَنْسِيَّةِ تَمَّ مَنْعُهُ مِنْ مُوَاصَلَةِ اَلدُّرُوسِ . أَدَّى فَرِيضَةَ اَلْحَجِّ عَامَ 1913 وَخِلَالِ إِقَامَتِهِ بِالْمَدِينَةِ اَلْمُنَوَّرَةَ اَلَّتِي دَامَتْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ تَعْرِفُ عَلَى اَلشَّيْخْ
البشير الإبراهيمي أأَحَدُ أَبْرَزِ اَلْعُلَمَاءِ اَلْجَزَائِرِيِّينَ آنَذَاكَ وَمَعَهُ أُسسُ جَمْعِيَّةِ اَلْعُلَمَاءِ اَلْمُسْلِمِينْ اَلْجَزَائِرِيِّينَ ،
وَفِيهَا اِلْتَقَى بِشَيْخِهِ حَمْدَانْ اَلْوَنِيسِي وَبِمَجْمُوعَةِ مَنْ كِبَارُ اَلْعُلَمَاءِ ،
وَفِي حَضْرَتِهِمْ أَلْقَى دَرْسًا بِالْحَرَمِ اَلنَّبَوِيِّ .
خِلَالَ إِقَامَتِهِ بِالْمَدِينَةِ عَرَضَ عَلَيْهِ شَيْخُهُ اَلْوَنِيسِي اَلْإِقَامَةُ اَلدَّائِمَةُ بِالْمَدَنِيَّةِ اَلْمُنَوَّرَةَ ،
لَكِنَّهُ أَخَذَ بِنَصِيحَةِ اَلشَّيْخِ حُسَيْنْ أَحْمَدْ اَلْهِنْدِيِّ بِضَرُورَةِ اَلْعَوْدَةِ الى الجَزَائِرِ
خِدْمَةً لِلدِّينِ وَلِلُّغَةِ اَلْعَرَبِيَّةِ .
وَلَدَى عَوْدَتِهِ لِلْجَزَائِرِ عَرَّجَ عَلَى مِصْرَ وَفِيهَا اِلْتَقَى بِمُفْتِي اَلدِّيَارِ اَلْمِصْرِيَّةِ اَلشَّيْخَ مُحَمَّدْ بَخِيتْ اَلْمُطِيعِي
اَلَّذِي كَتَبَ لَهُ بِخَطِّ يَدِهِ إِجَازَةً فِي دَفْتَرِ إِجَازَاتِهِ .
اَلْمَسَارُ اَلْإِصْلَاحِيُّ
أَوْلَى بْنْ بادِيسْ اَلتَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ اِهْتِمَامًا بَالِغًا فِي نَشَاطِهِ اَلْإِصْلَاحِيِّ ، وَتُوِّجَ ذَلِكَ بِتَأْسِيسِ مَكْتَبٍ لِلتَّعْلِيمِ اَلِابْتِدَائِيِّ اَلْعَرَبِيِّ عَامُ 1926
اِنْبَثَقَتْ عَنْهُ فِي عَامِ 1930 مَدْرَسَةِ جَمْعِيَّةِ اَلتَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ ،
وَهِيَ اَلْجَمْعِيَّةُ اَلَّتِي أَصْبَحَ لَهَا نَحْوُ 170 فَرْعًا فِي مُخْتَلِفِ مَنَاطِقَ اَلْجَزَائِرِ . اِسْتَعْمَلَ اَلصِّحَافَةَ لِنَشْرِ فِكْرَةِ اَلْإِصْلَاحِيِّ مِنْ خِلَالِ إِصْدَارِ جَرِيدَةِ اَلْمُنْتَقَدِ عَامُ 1925 ،
اَلَّتِي تَوَلَّى رِئَاسَةَ تَحْرِيرِهَا ، ثُمَّ جَرِيدَةُ اَلشِّهَابِ فِي نَفْسِ اَلسَّنَةِ .
أَنْشَأَ رُفْقَةَ 72 عَالِمًا مِنْ شَتَّى اَلِاتِّجَاهَاتِ اَلدِّينِيَّةِ جَمْعِيَّةَ اَلْعُلَمَاءِ اَلْمُسْلِمِينْ اَلْجَزَائِرِيِّينَ سنة 1931 ) وَانْتُخِبَ رَئِيسًا لَهَا ،
وَجَعْلَ شِعَارِهَا “ اَلْإِسْلَامِ دِينَنَا ، اَلْعَرَبِيَّةَ لُغَتُنَا ، اَلْجَزَائِرُ وَطَنَنَا ”
أَسْهُمٌ بِمَوَاقِفِهِ وَآرَائِهِ فِي إِثْرَاءِ اَلْفِكْرِ اَلسِّيَاسِيِّ بِالْحَدِيثِ عَنْ قَضَايَا اَلْأُمَّةِ ،
فَفِي عَامِ 1936 دَعَا لِعَقْدِ مُؤْتَمَرٍ إِسْلَامِيٍّ بِالْجَزَائِرِ لِإِفْشَالِ فِكْرَةِ اِنْدِمَاجِ اَلْجَزَائِرِ مَعَ فَرَنْسَا
كَمَا شَارَكَ ضِمْنَ وَفْدِ اَلْمُؤْتَمَرِ اَلْإِسْلَامِيِّ اَلْمُنْعَقِدِ بِبَارِيس فِي يُولْيُو / تَمُّوزُ 1936 .
حَاوَرَ لَجْنَةَ اَلْبَحْثِ فِي اَلْبَرْلَمَانِ اَلْفَرَنْسِيِّ فِي أَبْرِيلَ / نِيسَانُ 1937 ،
وَدَعَا اَلنُّوَّابُ لِمُقَاطَعَةِ اَلْمَجَالِسِ اَلنِّيَابِيَّةِ فِي شَهْرِ أُغُسْطُسَ / آبُ سَنَةَ 1937 ،
كَمَا دَعَا لِمُقَاطَعَةِ اِحْتِفَالَاتٍ فَرَنْسِيَّةٍ بِمُنَاسَبَةَ مُرُورِ قَرْنٍ عَلَى اِسْتِعْمَارِ اَلْجَزَائِرِ فِي 1937 .
مؤلفاته
فِي حَيَاتِهِ لَمْ يَتْرُكْ أَيَّةَ مُؤَلَّفَاتٍ مَنْشُورَةٍ وَيُقَالُ أنَّهُ أَلَّفَ اَلرِّجَالُ وَلَمْ يُؤَلِّفْ اَلْكُتُبَ .
غَيْرَ أَنَّهُ تَرَكَ آثَارًا كَثِيرَةً جَمْعُهَا تَلَامِذَتُهُ فِي أَعْمَالٍ مَنْشُورَةٍ أَهَمُّهَا
تَفْسِيرُ اِبْنْ بادِيسْ طَبْعُهُ أَحْمَدْ بُوشْمَالْ عَامِ 1948 :
ثُمَّ طَبْعَتِهِ وِزَارَةَ اَلشُّؤُونِ اَلدِّينِيَّةِ بِالْجَزَائِرِ
تَحْتَ عُنْوَانٍ “ مَجَالِسِ اَلتَّذْكِيرِ مِنْ كَلَامِ اَلْحَكِيمِ اَلْخَبِيرِ ” عَامَ 1982
مَجَالِس اَلتَّذْكِيرِ مِنْ حَدِيثِ اَلْبَشِيرْ اَلنَّذِيرِ عَامَ 1983 .
وَطَبْعَتُهُ مَرَّةً أُخْرَى وِزَارَةَ اَلشُّؤُونِ اَلدِّينِيَّةِ بِالْجَزَائِرِ تَحْتَ عُنْوَانٍ كَمَا تَرَكَ كِتَابُ اَلْعَقَائِدِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ مِنْ اَلْآيَاتِ اَلْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَحَادِيثِ
اَلنَّبَوِيَّةِ اَلَّذِي طَبَعَهُ تِلْمِيذُهُ مُحَمَّدْ اَلصَّالِحِ رَمَضَانْ سَنَةَ 1963 ،
ثُمَّ عَلَى يَدِ اَلشَّيْخِ مُحَمَّدْ اَلْحَسَنْ فُضَلَاءَ فِي 1984 .
كَمَا طَبَعَ كُلٌّ مِنْ تَوْفِيقِ شَاهِينْ وَمُحَمَّدْ اَلصَّالِحِ رَمَضَانْ كِتَابَ رِجَالِ اَلسَّلَفِ وَنِسَاؤُهُ عَامُ 1966
كِتَابُ مَبَادِئِ اَلْأُصُولِ اَلَّذِي حَقَّقَهُ وَنَشَرَهُ اَلدُّكْتُورُ عَمَّارْ طَالِبِي سَنَةِ 1988 .
وَخَلَّفَ آثَارًا عَدِيدَةً نَشَرَتْ عَلَى شَكْلِ مَقَالَاتٍ وَخَطْبٍ وَمُحَاضَرَاتِ وَقَصَائِدَ شَعَرَ فِي صُحُفٍ
من بَيْنَهَا اَلْمُنْتَقَدُ ، وَالشِّهَابُ ، وَالنَّجَاحُ ، وَالشَّرِيعَةُ اَلْمُطَهَّرَةُ ، وَالسُّنَّةُ اَلْمُحَمَّدِيَّةُ ، وَالْبَصَائِرُ .
وفاته
تُوُفِّيَ عَبْدُ اَلْحَمِيدْ بْنْ بادِيسْ مَسَاءَ اَلثُّلَاثَاءِ 9 رَبِيعْ اَلْأَوَّلَ 1359 ، اَلْمُوَافِقَ 16 أَبْرِيلَ / نِيسَانُ 1940 بِمَسْقَطِ رَأْسِهِ قسَنْطِينَة
وَحَمَّلَ طَلَبَةُ اَلْجَامِعِ اَلْأَخْضَرِ جُثْمَانُهُ عَصْرَ اَلْيَوْمِ اَلتَّالِي ،
وَشَيَّعُوهُ فِي جِنَازَةٍ شَارَكَ فِيهَا عَشَرَاتُ اَلْآلَافِ مِنْ اَلْأَشْخَاصِ اَلَّذِينَ تَوَافَدُوا
مِنْ كَافَّةِ مَنَاطِقَ اَلْجَزَائِرِ .
اقرأ ايضا الملك و الوزراء الثلاثة