الحرب الأهلية النيجيرية: مأساة بيافرا التي غيّرت وجه إفريقيا
تُعد الحرب الأهلية النيجيرية، المعروفة أيضًا باسم حرب بيافرا، واحدة من أكثر الحروب دموية في القارة الإفريقية خلال القرن العشرين.
اندلعت بين عامي 1967 و1970، بعد محاولة إقليم بيافرا الجنوبي الشرقي الانفصال عن جمهورية نيجيريا الاتحادية، لتتحول الخلافات العرقية والسياسية إلى حرب شاملة أودت بحياة نحو مليون شخص، معظمهم من المدنيين الذين ماتوا جوعًا.
من استقلال إلى انقسام: جذور الأزمة
حصلت نيجيريا على استقلالها عام 1960 عن بريطانيا، وسط آمال واسعة بأن تصبح أكبر دولة إفريقية من حيث السكان والاقتصاد نموذجًا للوحدة الوطنية.
لكن سرعان ما ظهرت الخلافات القبلية والجهوية بين المجموعات الثلاث الكبرى:
- الهوسا والفولاني في الشمال المسلم،
- اليوروبا في الغرب،
- الإيبو في الشرق المسيحي.
فشل النظام السياسي الجديد في تحقيق التوازن بين هذه المكونات، وبرزت صراعات على السلطة والثروة، خاصة بعد اكتشاف النفط في منطقة دلتا النيجر، ما جعل الإقليم الجنوبي الشرقي مركزًا اقتصاديًا مهمًا وطموحًا سياسيًا متزايدًا.
الانقلابات العسكرية وبداية التصدّع
في عام 1966، وقع انقلاب عسكري قاده ضباط من قومية الإيبو، أسقط الحكومة المدنية وأدى إلى مقتل العديد من السياسيين والعسكريين من الشمال.
ردًا على ذلك، جرى انقلاب مضاد بقيادة ضباط شماليين، تلاه موجة عنف طائفي ضد الإيبو في شمال البلاد، أسفرت عن مقتل الآلاف وتشريد مئات الآلاف منهم إلى مناطقهم الأصلية في الشرق.
في ظل هذه الفوضى، برز اسم الجنرال تشوكويما أودوميجو أوجوكوو، الحاكم العسكري للمنطقة الشرقية، الذي أعلن في 30 مايو 1967 انفصال الإقليم وتأسيس جمهورية بيافرا المستقلة.
وكان ذلك الحدث الشرارة التي أشعلت الحرب الأهلية النيجيرية.
ثلاث سنوات من الجحيم
ردت الحكومة النيجيرية بقيادة الجنرال يعقوب غوون بعملية عسكرية ضخمة لإعادة توحيد البلاد بالقوة.
بدأت الحرب في يوليو 1967، وتوسعت بسرعة لتشمل معظم مناطق الجنوب الشرقي.
ورغم أن قوات بيافرا حققت في البداية بعض المكاسب الميدانية، فإن الحصار الذي فرضه الجيش النيجيري سرعان ما أدى إلى كارثة إنسانية مروعة.
بحلول عام 1968، كانت الصور التي خرجت من بيافرا تهز ضمير العالم:
أطفال جياع، بطون منتفخة، وأجساد هزيلة تموت ببطء من المجاعة.
تشير تقديرات الصليب الأحمر الدولي إلى أن أكثر من مليون شخص، معظمهم من الأطفال، قضوا جوعًا نتيجة الحصار.
الحكومة النيجيرية اعتمدت استراتيجية “التجويع سلاح حرب”، بينما فشلت المنظمات الإنسانية في إيصال المساعدات بشكل كافٍ بسبب القيود العسكرية والسياسية.
ورغم الدعم المحدود الذي تلقته بيافرا من بعض الدول مثل فرنسا، والفاتيكان، وساحل العاج، فإنها بقيت معزولة عن العالم سياسيًا وعسكريًا.
سقوط بيافرا ونهاية الحرب
في يناير 1970، وبعد ثلاث سنوات من الحرب، انهارت مقاومة قوات بيافرا تمامًا.
فرّ الزعيم أوجوكوو إلى الخارج، بينما أعلنت الحكومة الفيدرالية النيجيرية انتهاء الحرب رسميًا في 15 يناير من العام نفسه.
اختارت نيجيريا شعار “لا غالب ولا مغلوب” في محاولة لتجنب الانتقام، ودعت إلى المصالحة الوطنية وإعادة الإعمار.
ورغم انتهاء القتال، فقد خلّفت الحرب وراءها بلدًا محطمًا:
مدن مدمرة، بنية تحتية منهارة، ملايين اللاجئين، واقتصاد غارق في الديون.
غير أن الحكومة النيجيرية نجحت تدريجيًا في إعادة دمج الإقليم الشرقي ضمن الدولة، مستفيدة من عائدات النفط المتزايدة في السبعينيات.
الأبعاد الإنسانية والسياسية
الحرب الأهلية النيجيرية لم تكن مجرد صراع داخلي، بل شكّلت منعطفًا حاسمًا في مفهوم العمل الإنساني العالمي.
فصور المجاعة في بيافرا دفعت منظمات مثل أطباء بلا حدود إلى إعادة تعريف دور الإغاثة الدولية في النزاعات المسلحة.
كما أصبحت كلمة “بيافرا” رمزًا عالميًا للجوع والمعاناة، وجرس إنذار لحكومات العالم حول خطورة تجاهل الانقسامات العرقية.
إرث الحرب: وحدة بالقوة أم هشاشة دائمة؟
بعد أكثر من نصف قرن على انتهاء الحرب، ما تزال آثارها حاضرة في الذاكرة الوطنية النيجيرية.
فالمطالب الانفصالية في الجنوب الشرقي لم تختفِ تمامًا، حيث تشهد المنطقة حتى اليوم نشاط حركات مثل IPOB (حركة شعب بيافرا الأصلية) التي تدعو لإعادة إحياء الجمهورية المنفصلة.
في المقابل، تحاول نيجيريا الحفاظ على وحدتها في ظل تحديات مستمرة تشمل الفساد، التطرف الديني، والفقر، ما يجعل الحرب الأهلية الماضية تذكيرًا دائمًا بمدى هشاشة التوازن في أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان.
خاتمة
الحرب الأهلية النيجيرية لم تكن فقط معركة من أجل الانفصال، بل كانت صدامًا بين هوية وطنية ناشئة وموروثات استعمارية عميقة.
لقد أنهت الحرب مشروع الانفصال، لكنها كشفت في المقابل مدى عمق الجروح العرقية والسياسية التي لا تزال نيجيريا تعاني منها حتى اليوم.
وفي ذاكرة التاريخ الإفريقي، ستبقى بيافرا الجرح الذي علّم القارة أن الوحدة بالقوة لا تعني السلام.
راحة البال | Raht Ibal اذا كان المال يجلب بعض السعادة فراحة البال كل السعادة
