الرئيسية / منوعات / الحرب الأهلية السودانية

الحرب الأهلية السودانية


الحرب الأهلية السودانية: صراع على السلطة أم انهيار دولة؟

منذ اندلاعها في منتصف القرن العشرين، لم تهدأ الحرب في السودان إلا لتشتعل من جديد، في سلسلة من النزاعات الداخلية التي أنهكت البلاد وقسّمتها جغرافيًا وسياسيًا واجتماعيًا. فالحرب الأهلية السودانية ليست مجرد مواجهة مسلحة، بل انعكاس لتاريخ طويل من الإقصاء والتهميش والصراع على الهوية والسلطة والثروة.


جذور الصراع: من الاستقلال إلى الانفجار الأول

بدأت ملامح الحرب الأهلية الأولى في السودان قبل إعلان الاستقلال عام 1956، حين تصاعدت الخلافات بين الشمال والجنوب.
الشمال ذو الغالبية العربية المسلمة، والجنوب ذو الأغلبية الإفريقية المسيحية أو الوثنية، دخلا في مواجهة مباشرة بعد أن شعر الجنوبيون بالتهميش السياسي والاقتصادي وحرمانهم من المشاركة في السلطة.

اندلعت الحرب رسميًا عام 1955، واستمرت حتى عام 1972، حين وُقعت اتفاقية أديس أبابا التي منحت الجنوب حكمًا ذاتيًا واسعًا. غير أن هذا السلام لم يصمد طويلاً، إذ قام الرئيس جعفر النميري بإلغاء الحكم الذاتي عام 1983، وفرض تطبيق الشريعة الإسلامية، لتندلع بعدها الحرب الأهلية الثانية.


الحرب الثانية: أكثر من مليوني قتيل وانقسام دائم

كانت الحرب الثانية (1983–2005) الأعنف في تاريخ السودان الحديث.
خاضت الحكومة المركزية في الخرطوم حربًا ضد الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة جون قرنق، الذي طالب بتوزيع عادل للسلطة والثروة، وحق الجنوب في تقرير مصيره.

على مدار أكثر من عقدين، شهد السودان معارك دامية، ومجاعات، وعمليات نزوح قاسية. تشير التقديرات إلى أن الحرب أودت بحياة نحو مليوني شخص، وشردت ما يزيد عن أربعة ملايين مواطن.

انتهت الحرب بتوقيع اتفاقية السلام الشامل عام 2005، التي منحت الجنوب حق الاستقلال عبر استفتاء. وبالفعل، أعلن قيام دولة جنوب السودان في يوليو 2011، لتبدأ مرحلة جديدة من تاريخ السودان.


انفصال الجنوب… وسقوط دارفور

بعد الانفصال، توقع كثيرون أن يسود السلام شمال البلاد، لكن سرعان ما اندلعت أزمة جديدة في دارفور عام 2003، قبل الاستقلال الجنوبي بقليل.
تحولت دارفور إلى مسرح لأحد أسوأ النزاعات الإنسانية في العالم، بعد أن اندلعت مواجهات بين الحكومة السودانية والمليشيات المتحالفة معها المعروفة بـ”الجنجويد” من جهة، وحركات متمردة من جهة أخرى.

اتهمت منظمات دولية القوات الحكومية بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق شملت القتل والاغتصاب الجماعي والتهجير القسري، وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية.


الحرب الجديدة: الجيش والدعم السريع في مواجهة دامية

في أبريل 2023، عاد السودان إلى نقطة الصفر، بعد اندلاع معارك شرسة في العاصمة الخرطوم بين الجيش السوداني بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).

بدأت الشرارة نتيجة خلاف حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش وفق الاتفاق الإطاري للمرحلة الانتقالية، إلا أن التوتر سرعان ما تحوّل إلى حرب مفتوحة شملت مناطق عديدة في البلاد، أبرزها دارفور ونيالا والفاشر.

النتائج كانت كارثية:

  • أكثر من 12 ألف قتيل بحسب تقديرات منظمات دولية.
  • نزوح أكثر من سبعة ملايين شخص داخليًا وخارجيًا.
  • دمار واسع في البنية التحتية، وانهيار شبه كامل في الخدمات الصحية والتعليمية.
  • انقطاع الكهرباء والمياه، وانتشار الأمراض والمجاعة.

الأسباب العميقة وراء استمرار الحرب

  1. صراع على السلطة بين النخب العسكرية بعد سقوط نظام عمر البشير عام 2019.
  2. غياب مؤسسات الدولة المدنية وتفكك النظام الإداري.
  3. تضارب مصالح القوى الإقليمية والدولية التي تدعم أطرافًا مختلفة في النزاع.
  4. الانقسامات القبلية والعرقية التي عمّقت الانشقاقات داخل المجتمع السوداني.
  5. التنافس على الموارد الطبيعية من نفط وذهب وأراضٍ زراعية.

أزمة إنسانية غير مسبوقة

يعيش السودان اليوم إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في القرن الحادي والعشرين.
انقطعت الإمدادات الغذائية والطبية، وتوقفت المستشفيات عن العمل في معظم المناطق، فيما نزح الملايين إلى الدول المجاورة مثل مصر وتشاد وجنوب السودان.
تحذّر الأمم المتحدة من “كارثة جوع شاملة” قد تودي بحياة مئات الآلاف إن لم يُفتح ممر آمن للمساعدات.


هل يمكن للسودان أن يتعافى؟

يرى محللون أن وقف إطلاق النار لن يكون كافيًا ما لم يُعاد بناء مؤسسات الدولة المدنية وإبعاد العسكر والمليشيات عن السياسة.
كما يشدد خبراء على ضرورة حوار وطني شامل يضم القوى المدنية والمجتمعية لوضع دستور جديد يضمن العدالة والمواطنة المتساوية، ويمنع تكرار دوامة الانقلابات والحروب.


خاتمة

الحرب الأهلية السودانية، بمراحلها المختلفة، كشفت هشاشة الدولة وعمق الانقسامات فيها.
واليوم، يقف السودان أمام مفترق طرق حاسم: فإما أن ينجح في إعادة بناء دولته على أسس مدنية عادلة، أو يواصل الانحدار نحو التفكك والانهيار الكامل.
ويبقى الأمل في أن يدرك السودانيون أن لا منتصر في حربٍ يكون فيها الوطن هو الخاسر الأكبر.


عن admin